ج ٢٢، ص : ٧٤
ثم ذكر أنهم بطروا وملّوا تلك النعم وآثروا الذي هو أدنى على الذي هو خير كما فعل بنوا إسرائيل فطلبوا أن يفصل بين القرى بمفاوز وقفار، ليظهر القادرون منهم الأزواد والرواحل تكبرا وفخرا على العاجزين كما حكى سبحانه عنهم بقوله :
(فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) فاجعل بيننا وبين الشام فلوات ومفاوز، لنركب فيها الرواحل، ونتزود معنا فيها الأزواد، فأجاب اللّه طلبهم وعاقبهم على بطرهم بالنعمة كما قال :
(وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) إذ قد عرّضوها للسخط والعذاب، بغمط النعمة وعدم الوفاء بشكرها.
ثم ذكر عاقبة أمرهم فقال :
(فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) أي فجعلناهم أحاديث للناس يسمرون بها ويعتبرون بأمرهم، وكيف مكر اللّه بهم، وفرّق شملهم بعد الاجتماع والألفة والعيش الهنىّ وصاروا مضرب الأمثال فقيل للقوم يتفرقون تفرقوا أيدى سبأ، فنزل آل جفنة ابن عمرو الشام ونزل الأوس والخزرج يثرب، ونزلت أزد السّراة السّراة، ونزلت أزد عمان عمانا ثم أرسل اللّه على السد السيل فهدمه.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) أي إن في ذلك الذي حل بهؤلاء من النقمة والعذاب، بعد النعمة والعافية، عقوبة لهم على ما اجترحوه من الآثام - لعبرة لكل عبد صبار على المصايب، شكور على النعم.
روى سعد بن أبى وقاص رضى اللّه عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال :« عجبت من قضاء اللّه تعالى للمؤمن إن أصابه خير حمد ربه وشكر، وإن أصابته مصيبة حمد ربه وصبر، يؤجر المؤمن في كل شىء حتى اللقمة يرفعها إلى في امرأته »
وكان مطرّف بن الشّخّير يقول : نعم العبد الصبار الشكور الذي إذا أعطى شكر، وإذا ابتلى صبر.