ج ٢٢، ص : ٨٨
كبراؤها وأولو النعمة والثروة فيها : إنا لا نؤمن بما بعثتم به من التوحيد والبراءة من الآلهة والأنداد.
وليس في ذلك من عجب، فإن المنغمسين في الشهوات يحملهم التكبر والتفاخر بزينة الحياة الدنيا على النفور من الكمال الروحي، ومن تثقيف النفوس بالإيمان والحكمة، فالضدان لا يجتمعان : انغماس في الشهوة وعلم وحكمة، ثروة مادية وثروة روحية.
ثم ذكر تفاخرهم بما هم فيه من بسطة العيش، وكثرة الولد وأن ذلك سيكون سبب نجاتهم من العذاب في الآخرة بقوله :
(وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) أي وقال المستكبرون فى كل قرية أرسلنا فيها نذيرا : إنا ذوو عدد عديد من الأولاد وكثرة في الأموال، فنحن لا نعذب، لأن ذلك دليل على محبة اللّه لنا، وعنايته بنا، وأنه ما كان ليعطينا ما أعطانا ثم يعذبنا في الآخرة.
هيهات هيهات، إنهم قد ضلوا ضلالا بعيدا، وأخطأوا القياس « أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ ».
وخلاصة آرائهم - نحن في نعمة لا تشوبها نقمة، وذلك دليل على كرامتنا عند اللّه ورضاه عنا، إذ لو كان ما نحن فيه من الشرك وغيره مما تدعونا إلى تركه مخالفا لما يرضيه - لما كنا فيما نحن فيه من نعمة وبسطة في العيش وكثرة الأولاد.
فرد اللّه عليهم مقالتهم آمرا رسوله أن يبين لهم خطأهم بقوله :
(قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) أي قل لهم أيها الرسول : إن ربى يبسط الرزق من معاش ورياش في الدنيا لمن يشاء من خلقه ويضيّق على من يشاء، لا لمحبة فيمن بسط له ذلك، ولا لخير فيه ولا زلفى استحق بها ذلك، ولا لبغض منه لمن قدر عليه ولا لمقت منه له، ولكنه يفعل ذلك لسنن وضعها