ج ٢٣، ص : ٤٩
المعنى الجملي
بعد أن ذكر فيما سلف إنكارهم للبعث في الدنيا وشديد إصرارهم على عدم حدوثه أردف هذا بيان أنهم يوم القيامة يرجعون على أنفسهم بالملامة إذا عاينوا أهوال هذا اليوم، ويعترفون بأنهم كانوا في ضلال مبين، ويندمون على ما فرّطوا في جنب اللّه، ولات ساعة مندم.
الإيضاح
(وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ) أي وقال المنكرون للبعث في الدنيا حين رأوا العذاب : لنا الويل والهلاك فقد حلّ ميعاد الجزاء، وسنجازى بما قدمنا من عمل كما وعدنا بذلك على أ
ثم أقبل بعض
ء إذ ذاك كما أفصح عن ذلك شاعرهم :
وما بقيت من اللذات إلا محادثة الكرام على الشراب
ولثمك وجنتى قمر منير يجول بوجهه ماء الشباب
والحديث ذو شجون، فهم يتحادثون في شتى الفضائل والمعارف وفيما سلف لهم من شئون الدنيا، وما أحلى تذكر ما فات حين رفاهية الحال، وفراغ البال، واطمئنان النفس، وخلوّها من المخاوف العاجلة والآجلة.
ثم فصل هذا التساؤل وبيّنه فقال :
(قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ. يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ ؟ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ ؟ ) أي قال قائل من أهل الجنة : إنى كان لى قرين في الدنيا يوبخنى على التصديق بالبعث والقيامة، ويستنكره أشد الاستنكار، ويقول متعجبا :
أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أ إنا لمحاسبون بعد ذلك على أعمالنا وما قدمته أيدينا ؟ ألا إن ذلك لا يدخل في باب الإمكان ولا يقبله عاقل، فأجدر بمن يصدق بمثل هذا أن يعدّ من البله والمجانين الذين لا ينبغى مخاطبتهم ولا الدخول معهم في باب الجدل والخصام، فهم ساقطون من درجة الاعتبار لدى العقلاء والمنصفين.