ج ٢٣، ص : ٦٥
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه أن المشركين يهرعون على آثار آبائهم الأولين دون نظر ولا تدبر - أردفه ما يوجب التسلية لرسوله على كفرهم وتكذيبهم، بأن كثيرا من الأمم قبلهم قد أرسل إليهم الرسل فكذبوا بهم وكانت عاقبتهم الدمار والهلاك، ونجّى اللّه المؤمنين ونصرهم، فليكن لك فيهم أسوة، ولا تبخع نفسك عليهم حسرات إن عليك إلا البلاغ.
الإيضاح
(وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ) أي ولقد ضل قبل قريش كثير من الأمم السابقة، فعبدوا مع اللّه آلهة أخرى كما فعل قوم إبراهيم وقوم هود وقوم صالح.
ثم ذكر رحمته بعباده وأنه لا يؤاخذهم إلا بعد إنذار فقال :
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ) أي فأرسلنا فيهم أنبياء ينذرونهم بأس اللّه ويحذرونهم سطوته ونقمته، لكنهم تمادوا في مخالفة رسلهم وتكذيبهم ولم يستجيبوا دعوتهم كما أشار إلى ذلك بقوله :
(فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) أي فانظر كيف كان عاقبة الكافرين المكذبين، فقد دمرهم اللّه ونجّى المؤمنين ونصرهم.
وهذا خطاب موجه إلى كل من شاهد آثارهم، وسمع أخبارهم، فقد سمعت قريش بأنباء قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم، وكيف كان عاقبة أمرهم.
وقد استثنى من هؤلاء المهلكين عباد اللّه المخلصين فقال :
(إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ) أي لكن عباد اللّه الذين أخلصهم اللّه بتوفيقهم للإيمان والعمل بأوامر دينه، . أنجاهم من عذابه ففازوا بالنعيم المقيم في جنات عرضها السموات والأرض.