ج ٢٣، ص : ٩٧
النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ »
روى ابن جرير عن ابن عباس قال :« لما مرض أبو طالب دخل عليه رهط من قريش فيهم أبو جهل فقالوا : إن ابن أخيك يشتم آلهتنا ويفعل ويفعل ويقول ويقول، فلو بعثت إليه فنهيته، فبعث أبو طالب إليه فجاء النبي صلّى اللّه عليه وسلم فدخل البيت وبينهم وبين أبى طالب قدر مجلس رجل واحد، قال فخشى أبو جهل إن جلس إلى جنب أبى طالب أن يكون أرقّ عليه، فوثب فجلس في ذلك المجلس، ولم يجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مجلسا قرب عمه، فجلس عند الباب فقال له أبو طالب : أي ابن أخى ما لقومك يشكونك يزعمون أنك تشتم آلهتهم وتقول وتقول ؟ قال وأكثروا عليه من القول، وتكلم رسول اللّه فقال يا عم : إنى أريدهم على كلمة واحدة يقولونها، تدين لهم بها العرب، وتؤدى إليهم بها العجم الجزية، ففرحوا لكلمته ولقوله فقال القوم ما هى وأبيك، لنعطينّكها وعشرا، قال صلّى اللّه عليه وسلم (لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ) فقاموا فزعين ينفضون أثوابهم ويقولون :« أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً ؟ إِنَّ هذا لَشَيْ ءٌ عُجابٌ » فنزل من هذا الموضع إلى قوله :« بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ ».
(وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ) أي وانطلق أشراف قريش من مجلس أبى طالب بعد ما بكّتهم رسول اللّه وشاهدوا تصلبه في الدين، ويئسوا مما كانوا يرجون منه بوساطة عمه، يتحاورون بما جرى ويقلّبون وجوه الرأى فيما يفعلون، ويقولون : اثبتوا على عبادتها محتملين القدح فيها والغضّ من شأنها والاستهزاء بأمرها.
ثم عللوا الأمر بالصبر بما شاهدوه من تصلبه عليه السلام فقالوا :
(إِنَّ هذا لَشَيْ ءٌ يُرادُ) أي إن هذا لأمر عظيم يريد محمد إمضاءه وتنفيذه لا محالة من غير صارف يلويه، ولا عاطف يثنيه، لا قول يقال من طرف اللسان،


الصفحة التالية
Icon