ج ٢٤، ص : ٤٤
نوره، ثم أرشد رسوله ألا يغتر بأحوال أولئك المجادلين وتركهم سالمين في أبدانهم وأموالهم يتصرفون في البلاد للتجارة، لسعة الرزق والتمتع بزخرف الدنيا، فإنه سيأخذهم أخذ عزيز مقتدر كما فعل بأمثالهم من الأمم الماضية ممن كذبوا رسلهم فحلّ بهم البوار فى الدنيا، وسينزل بهم النكال في الآخرة في جهنم وبئس القرار.
الإيضاح
(ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) أي ما يخاصم في القرآن بالطعن فيه وتكذيبه كقولهم مرة إنه شعر، وأخرى إنه سحر وثالثة إنه أساطير الأولين إلى أشباه ذلك من سخيف المقال - إلا الذين جحدوا به وأعرضوا عن الحق مع ظهوره.
وهذا النوع من الجدل هو المذموم، وإليه الاشارة
بقوله صلّى اللّه عليه وسلم « لا تماروا في القرآن، فإن المراء فيه كفر »
أما الجدل لتقرير الحق وإيضاح الملتبس، وكشف المعضل، واستنباط المعاني، ورد أهل الزيغ بها، ورفع اللبس، ودفع ما يتعلق به المبطلون من متشابهات القرآن، فهو وظيفة الأنبياء، ومنه قوله تعالى حكاية عن قوم نوح لنوح « يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا ».
وعن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال :« هاجرت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يوما فسمع أصوات رجلين اختلفا في آية، فخرج يعرف في وجهه الغضب، فقال إنما هلك من كان قبلهم باختلافهم في الكتاب » رواه مسلم.
وقال أبو العالية : آيتان ما أشدهما علىّ :« ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا » الآية، وقوله :« وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ » ولما حكم سبحانه على المجادلين في آيات اللّه بالكفر نهى رسوله صلّى اللّه عليه وسلم أن يغتر بشىء من حظوظهم الدنيوية فقال :
(فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ) أي فلا يغررك ما يفعلونه من التجارة النافعة