ج ٢٤، ص : ٦٤
وخلاصة ذلك - أ ترتكبون هذه الفعلة الشنعاء، وهى قتل النفس المحرمة من غير روية ولا تأمل ولا اطلاع على سبب يوجب قتله ؟ وما لكم علة في ارتكابها إلا كلمة الحق، وهى قوله : ربى اللّه.
أخرج البخاري وغيره من طريق عروة بن الزبير قال : قيل لعبد اللّه بن عمرو ابن العاص : أخبرنا بأشد شىء صنعه المشركون برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال :
بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يصلّى بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبى معيط فأخذ بمنكب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقا شديدا، فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبيه ودفعه عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم ثم قال :« أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ ؟ ».
وأخرج البزار وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن علىّ بن أبى طالب أنه قال :« أيها الناس أخبرونى من أشجع الناس ؟ قالوا أنت، قال أما إنى ما بارزت أحدا إلا انتصفت منه، ولكن أخبرونى عن أشجع الناس ؟ قالوا لا نعلم، فمن ؟ قال أبو بكر :
رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وأخذته قريش فهذا يجؤه، وهذا يتلتله، وهم يقولون :
أنت الذي جعلت الآلهة إلها واحدا، قال : فو اللّه ما دنا منا أحد إلا أبو بكر يضرب هذا، ويجأ هذا ويتلتل هذا، وهو يقول : ويلكم أ تقتلون رجلا أن يقول ربى اللّه ؟ ثم رفع بردة كانت عليه فبكى حتى اخضلت لحيته، ثم قال : أنشدكم : أ مؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر ؟ فسكت القوم، فقال : ألا تجيبون ؟ فو اللّه لساعة من أبى بكر خير من مثل مؤمن آل فرعون، ذاك رجل يكتم إيمانه، فأثنى اللّه عليه في كتابه، وهذا رجل أعلن إيمانه وبذل ماله ودمه ».
ثم ذكر من الحجج ما يؤيد به رأيه فقال :
(١) (وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ) أي إن كان كاذبا في قيله إن اللّه أرسله إليكم ليأمركم بعبادته وترك دينكم الذي أنتم عليه،