ج ٢٥، ص : ١٢٢
المعنى الجملي
بعد أن ذكر حال كفار قريش إذ قابلوا الرحمة بالكفران ولم ينتفعوا بالمنزّل ولا بالمنزّل عليه - أردف هذا أن أمر نبيّه بالانتظار حتى يحل بهم بأسه، لأنهم أهل الخذلان والعذاب، لا أهل الإكرام والغفران.
وفى هذا تسلية لرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم وتهديد للمشركين.
ثم حكى عنهم مقالهم فى شأن لرسول، فتارة يقولون : إنه معلّم، وأخرى يقولون إنه مجنون، ثم أوعدهم بأنه سينتقم منهم يوم البطشة الكبرى وهو يوم القيامة، ويجازيهم بما قالوا وبما فعلوا ويأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
الإيضاح
(فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) أي فانتظر يوم يأتى الجدب والمجاعة التي تجعل الجائع يرى بينه وبين السماء كهيئة الدخان المنتشر فى الفضاء.
ومن خبر هذا ما
رواه البخاري عن مسروق قال : إن قريشا لما أبطأت عن الإسلام واستعصت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم دعا عليهم بسنين كسنى يوسف، فأصابهم الجهد والجوع حتى أكلوا العظام والميتة، وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فلا يرون إلا الدخان، فأنزل اللّه تعالى « فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ - إلى أَلِيمٌ » فأتوا النبي صلى اللّه عليه وسلّم فقالوا : يا رسول اللّه : استسق اللّه تعالى، فاستسقى لهم فسقوا، فأنزل اللّه « إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ » فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم الأولى فأنزل اللّه « يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ » فانتقم اللّه منهم يوم بدر.
(يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ) أي يحيط بهم من كل جانب، فيقولون : هذا عذاب مؤلم يقضّ المضاجع وينتهى إلى موت محقق إن دام.


الصفحة التالية
Icon