ج ٢٥، ص : ١٥٩
(وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) أي وما يفنينا إلا مرّ الليالى والأيام، فمرورها هو المؤثر فى هلاك الأنفس، ويضيفون كل حادث إلى الدهر وأشعارهم ناطقة بذلك قال :
أشاب الصغير وأفنى الكبير كرّ الغداة ومرّ العشى وقد كان العرب فى جاهليتهم إذا أصابتهم شدة أو بلاء أو نكبة قالوا يا خيبة الدهر، وقد جاء النهى عن سبّ الدهر،
فجاء فى الحديث القدسي « يقول اللّه عز وجل : يؤذينى ابن آدم، يسبّ الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلّب الليل والنهار ».
وعن أبى هريرة رضى اللّه عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال « يقول اللّه تعالى : استقرضت عبدى فلم يعطنى، وسبّنى عبدى يقول وا دهراه وأنا الدهر ».
قال الشافعي وأبو عبيدة وغيرهما من الأئمة فى تفسير
قوله صلّى اللّه عليه وسلم « لا تسبوا الدهر فإن اللّه هو الدهر »
كان العرب فى الجاهلية إذا أصيبوا بشدة أو بلاء قالوا يا خيبة الدهر، فيسندون تلك الأفعال إلى الدهر ويسبونه، وإنما فاعلها هو اللّه، فكأنهم إنما سبوا اللّه عز وجل، لأنه فاعل ذلك فى الحقيقة، فلذا نهى عن سب الدهر بهذا الاعتبار، لأن اللّه تعالى هو الدهر الذي يعنونه، ويسندون إليه تلك الأفعال.
ثم نعي عليهم مقالهم هذا الذي لا دليل عليه فقال :
(وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) أي وما لهم بقصر الحياة على حياة الدنيا ونسبة الإهلاك إلى الدهر - علم يستند إلى عقل أو نقل، وقصارى أمرهم الظن والتخمين من غير أن يكون لهم ما يتمسكون به من حجة نافذة.
وفى الآية إشارة إلى أن القول بغير بينة ولا حجة - لا ينبغى أن يعوّل عليه، وأن اتباع الظن منكر عند اللّه.
ثم ذكر شبهتهم على إنكار البعث فقال :
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ