ج ٢٥، ص : ١٧
المعنى الجملي
بعد أن أبان فيما سلف أنه هو الرقيب على عباده، المحصى لأعمالهم، وأنه عليه السلام نذير فحسب، وليس عليه إلا البلاغ - ذكر هنا أنه أنزل كتابه بلغة العرب ليفهمه قومه من أهل مكة وما حولها كما قال :« وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ » وينذرهم بأن يوم القيامة آت لا شك فيه، وأن الناس إذ ذاك فريقان :
فريق يدخل الجنة بما قدم من صالح الأعمال، وفريق يدخل النار بما دسّى به نفسه من سيىء الفعال، ثم ذكر أن حكمته اقتضت أن يكون الإيمان بالتكليف اختيارا ولم يشأ أن يكون قسرا وجبرا، ولو شاء أن يكون كذلك لفعل، فمن أخبت للّه وأناب وعمل صالحا أفلح وفاز بالسعادة، ومن عاث فى الأرض فسادا، واتجهت همته إلى ارتكاب الشرور والآثام خسر وباء بغضبمن اللّه ومأواه جهنم وبئس المهاد، ولا يجد له من دون اللّه وليا ولا نصيرا.
الإيضاح
(وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) أي ومثل ذلك الإيحاء البديع الواضح، أوحينا إليك قرآنا عربيا بلسان قومك، لاخفاء فيه عليك ولا عليهم، ليفهموا ما فيه من حجج اللّه وذكره ولتنذر به أهل مكة وما حولها من البلاد، كما أرسلنا كل رسول بلسان قومه.
وقصارى ذلك - إنا كما أوحينا إليك أنك لست بالحفيظ عليهم ولا بالوكيل، أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أهل مكة وما حولها.
وخص هؤلاء بالذكر، لأنهم أول من أنذروا، ولأنهم أقرب الناس إليه، فلا دليل فيها على أنه أرسل إليهم خاصة، كيف وقد جاء فى آية أخرى « وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ ».