ج ٢٥، ص : ٧٦
ثم أبان أن ما فعلوه إنما هو بمحض التقليد عن الآباء دون حجة ولا برهان، وهم ليسوا ببدع فى ذلك، فكثير من الأمم قبلهم قالوا مثل مقالهم، مع أن الرسل بينوا لهم الطريق السوىّ فكفروا به واتبعوا سنن من قبلهم حذو القذّة بالقذّة، فكان عاقبة أمرهم أن حلّ بهم نكالنا كما يشاهدون ويرون من آثارهم.
الإيضاح
(وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً) أي وأثبتوا للّه ولدا، إذ قالوا الملائكة بنات اللّه قاله مجاهد والحسن، والولد جزء من والده كما قال عليه السّلام « فاطمة بضعة منى ».
وإن مقالهم هذا يقتضى الكفر من وجهين :
(١) كون الخالق جسما محدثا لمشابهة الولد له، فلا يكون إلها ولا خالقا.
(٢) الاستخفاف به، إذ جعلوا له أضعف نوعى الإنسان وأخسهما.
ثم أكد كفرهم بقوله :
(إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ) أي إن الإنسان لجحود بنعم ربه التي أنعمها عليه، ظاهر كفره لمن تأمل حاله وتدبر أمره.
ثم زاد فى الإنكار عليهم والتعجب من حالهم فقال :
(أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ) أي هل اتخذ سبحانه من خلقه أخسّ الصنفين لنفسه، واختار لكم أفضلهما ؟ وكأنه قيل : هبو أنه اتخذ ولدا فأنتم قد ركبتم شططا فى القسمة فادعيتم أنه سبحانه آثركم على نفسه بخير الجزأين وأعلاهما وترك لنفسه شرهما وأدناهما، فما أنتم إلا حمقى جهلاء.
ونحو الآية قوله :« أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى. تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى » - جائرة -.
ثم زاد فى التوبيخ والإنكار بقوله :
(وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ)