ج ٢٦، ص : ١١٦
(تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً) أي تراهم دائبين على الصلاة مخلصين للّه محتسبين فيها الأجر وجزيل الثواب عنده طالبين رضاه عنهم « ورضوان من اللّه أكبر ».
(سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) أي لهم سمت حسن وخشوع وخضوع يظهر أثره فى الوجوه، ومن ثم قيل : إن للحسنة نورا فى القلب، وضياء فى الوجه وسعة فى الرزق، ومحبة فى قلوب الناس. وقال عثمان بن عفان رضى اللّه عنه : ما أسرّ أحد سريرة إلا أبداها اللّه تعالى على صفحات وجهه، وفلتات لسانه.
روى عن عمر أنه قال : من أصلح سريرته أصلح اللّه علانيته،
وعن أبى سعيد رضى اللّه عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال « لو أن أحدكم يعمل فى صخرة صماء ليس لها باب ولا كوّة لخرج عمله للناس كائنا ما كان ».
والخلاصة - إن كل ما يفعله المرء أو يتصوره يظهر على صفحات الوجه، فالمؤمن إذا كانت سريرته صحيحة مع اللّه أصلح اللّه عز وجل ظاهره للناس.
ثم أخبر سبحانه أنه نوّه بفضلهم فى الكتب المنزلة والأخبار المتداولة فقال :
(ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ) أي هذه الص
(و الخلاص
ذه أوصاف الأمة الإسلامية أيام عزها، فانظر الآن وتأمل فى تخاذلها وجهلها حتى أصبحت مثلا فى الخمول والجهل، وأصبحت زرعا هشيما تذروه الرياح، فكيف يجتمع عصفه وتبنه ؟
ولعل اللّه يبدل الحال غير الحال ويخضرّ الزرع بعد ذبوله، وتعود الأمة سيرتها الأولى مهيبة مرعية الجانب مخشية القوة.
(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) أي وعد سبحانه هؤلاء الذين آمنوا بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم أن يغفر ذنوبهم ويجزل أجرهم بإدخالهم جنات النعيم، ووعد اللّه حق وصدق لا يخلف ولا يبدل.
وكل من اقتفى أثر الصحابة فهو فى حكمهم، ولهم السبق والفضل والكمال الذي لا يلحقهم فيه أحد.
روى مسلم فى صحيحه عن أبى هريرة رضى اللّه عنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم « لا تسبوا أصحابى، فو الذي نفسى بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه (نصفه) »
رضى اللّه عنهم وأرضاهم.
[خاتمة] هذه السورة آخر القسم الأول من القرآن الكريم وهو المطول، وسيأتى القسم الثاني، وهو المفصل.


الصفحة التالية
Icon