ج ٢٦، ص : ١٢٧
فرجع قبل أن يدركوه وأخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنهم منعوا الزكاة، فغضب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم غضبا شديدا، وبينما هو يحدث نفسه أن يغزوهم إذ أتاه الوفد فقالوا يا رسول اللّه : إنا حدّثنا أن رسولك رجع من نصف الطريق، وإنا خشينا أنه إنما رده كتاب جاء منك لغصب غضبته علينا، وإنا نعوذ باللّه من غضبه وغضب رسوله، فأنزل اللّه عذرهم فى الكتاب فقال :(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ) الآية ». أخرجه أحمد وابن أبى حاتم والطبراني وابن مردويه،
وقال ابن كثير : وهذا من أحسن ما روى فى سبب نزول الآية.
وقال الرازي : هذه الرواية ضعيفة لأن إطلاق لفظ الفاسق على الوليد بعيد، لأنه توهم وظن فأخطأ، والمخطئ لا يسمى فاسقا، كيف والفاسق فى أكثر المواضع يراد به من خرج من ربقة الإيمان لقوله :« إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ » اه.
ثم بين أن صحبه كانوا يريدون أن يتبع رأيهم فى الحوادث، ولو فعل ذلك لوقعوا فى العنت والهلاك، ولكن اللّه حبب إلى بعضهم الإيمان وزينه فى قلوبهم وكرّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان، وهؤلاء أهل الرشاد والسالكون الطريق السوىّ.
الإيضاح
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) أي يا أيها المؤمنون إن جاءكم الفاسق بأى نبإ فتوقفوا فيه وتطلّبوا بيان الأمر وانكشاف الحقيقة، ولا تعتمدوا على قوله، فإن من لا يبالى بالفسق فهو أجدر ألا يبالى بالكذب ولا يتحاماه - خشية إصابتكم بالأذى قوما أنتم جاهلون حالهم، فتندموا على ما فرط منكم وتتمنّوا أن لو لم تكونوا فعلتم ذلك.
ثم وعظهم سبحانه بعظة هم أحرى الناس باتباعها فقال :
(وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ) أي واعلموا أن بين أظهركم رسول اللّه فعظموه