ج ٢٦، ص : ١٣٣
المعنى الجملي
بعد أن ذكر ما ينبغى أن يكون عليه المؤمن مع اللّه تعالى ومع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ومع من يخالفهما ويعصيهما وهو الفاسق، بيّن ما ينبغى أن يكون عليه المؤمن مع المؤمن، فذكر أنه لا ينبغى أن يسخر منه ولا أن يعيبه بالهمز واللمز، ولا أن يلقبه باللقب الذي يتأذى منه، فبئس العمل هذا، ومن لم يتب بعد ارتكابه فقد أساء إلى نفسه وارتكب جرما كبيرا.
روى أن الآية نزلت فى وفد تميم إذ كانوا يستهزئون بفقراء أصحاب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كعمار وصهيب وبلال وخبّاب وابن فهيرة وسلمان الفارسي وسالم مولى أبى حذيفة فى آخرين غيرهم لما رأوا من رثاثة حالهم.
وروى أنها نزلت فى صفيّة بنت حيىّ بن أخطب رضى اللّه عنها : أتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم فقالت :« إن النساء يقلن لى : يا يهودية بنت يهوديين، فقال لها :
هلّا قلت : أبى هارون، وعمى موسى، وزوجى محمد ».
الإيضاح
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ) أي لا يهزأ ناس من المؤمنين بآخرين :
ثم ذكر العلة فى ذلك فقال :
(عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ) أي فقد يكون المسخور منهم خيرا عند اللّه من الساخرين كما
جاء فى الأثر « فربّ أشعث أغبر ذى طمرين لا يؤبه له، لو أقسم على اللّه تعالى لأبرّه ».
فينبغى ألا يجترىء أحد على الاستهزاء بمن تتقحمه عينه لرثاثة حاله، أو لكونه ذا عاهة فى بدنه، أو لكونه غير لبق فى محادثته، فلعله أخلص ضميرا وأنقى قلبا ممن هو على ضد صفته، فيظلم نفسه بتحقير من وقّره اللّه تعالى.