ج ٢٦، ص : ١٥٢
أمر عجيب، هلا أنزل إلينا ملكا فيكون لنا نذيرا، كما حكى عنهم من قولهم :
« أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ » وقوله حكاية عنهم « قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا ».
وبعد أن أظهروا التعجب من رسالته أظهروا استبعاد ما جاء به فقالوا :
(أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) أي أ حين نموت ونصير ترابا نرجع كما يقول النذير ؟ إن ذلك الرجوع بعد الموت لبعيد عن الأوهام، لا يصدّقه العقل وتحيله العادة.
ثم أشار إلى دليل جواز البعث وقدرته تعالى عليه فقال :
(قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ) أي قد علمنا ما تأكل الأرض من لحوم موتاهم وعظامهم، ولا يخفى علينا أين تفرقت الأبدان، وأين ذهبت، وإلى أين صارت ؟ فلا يصعب علينا البعث ولا يستبعد.
ثم أكد علمه بجميع الأشياء فقال :
(وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) أي وعندنا كتاب حافظ لتفاصيل الأشياء كلها، وهذا تمثيل لحال علمه تعالى للكائنات جميعا علما كاملا بعلم من عنده كتاب حفيظ يتلقى منه كل شىء، فيضبط ما يعلم أتم الضبط ويحصيه أكمل الإحصاء.
ثم حكى عنهم ما هو أفظع من تعجبهم وهو تكذيبهم بالنبوة الثابتة بالمعجزات من أول وهلة بلا تدبر ولا تفكر فقال :
(بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ) أي بل كذبوا، بالنبوة التي قامت الأدلة على صدقها وأيدتها المعجزات الباهرة، وهم إذا كذبوا بها فقد كذبوا بما أنبأ به الرسول من البعث وغيره، ولا شك أن هذا الإنكار أعظم جرما وأشد بلية من الإنكار بما جاء به الرسول، إذ به أنكروا الصلة الروحية بين اللّه ومن يصطفيه من خلقه من ذوى النفوس الصافية، وأرباب الأرواح العالية.
(فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) أي فهم فى قلق واضطراب، فتارة ينفون الرسالة عن البشر،


الصفحة التالية
Icon