ج ٢٦، ص : ١٦١
معك فى قبرك حتى تخرج يوم القيامة، فعند ذلك يقول اللّه تعالى :« وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً. اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً » ثم قال : عدل واللّه فيك من جعلك حسيب نفسك.
روى أبو أسامة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :« كاتب الحسنات أمير على كاتب السيئات، فإذا عمل حسنة كتبها ملك اليمين عشرا، وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال : دعه سبع ساعات لعله يسبّح أو يستغفر ».
والحكمة فى هذا أن اللّه لم يخلق الناس لتعذيبهم، بل خلقهم لتربيتهم وتهذيبهم، فكل ألم فهو لرقىّ النفس. والعالم المادي من طبعه أن يكون نفعه أكثر من ضره، واللّه تعالى خلقنا لغاية شريفة لنا، والحسنات هى الأصل والسيئات عارضة كما أن المنافع فى الطبيعة هى الأصل والمضارّ عارضة، فالنار خلقت لنفعه، والماء لنفعه، والهواء لنفعه فإذا أحرق ثوب الناسك، أو أغرق رب صبية لا عائل لهم، فهذا عارض، والأصل فى ذلك المنافع، وهكذا خلق نوع الإنسان للخير، والشر عارض، ولفعل الحسنات، والسيئات عارضة.
وبعد أن ذكر استبعادهم البعث للجزاء، وأزاح ذلك بتحقيق قدرته وعلمه، أعلمهم بأنهم يلاقون صدق ذلك حين الموت وحين قيام الساعة فقال :
(وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) أي وكشفت لك سكرة الموت عن اليقين الذي كنت تمترى فيه، وأن البعث لا شك فيه.
(ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) أي ذلك الحق الذي كنت تفر منه قد جاءك، فلا محيد ولا مناص، ولا فكاك ولا خلاص.
ولما ثقل أبوبكر جاءت عائشة رضى اللّه عنها فتمثلت بقول حاتم :
لعمرك ما يغنى الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر