ج ٢٦، ص : ٢٦
أستبقى حسناتى، فإن اللّه عز وجل وصف أقواما فقال :« أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها ».
وأخرج أحمد والبيهقي فى شعب الإيمان عن ثوبان رضى اللّه عنه قال :« كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا سافر كان آخر عهده من أهله بفاطمة، وأول من يدخل عليه منهم فاطمة رضى اللّه عنها، فقدم من غزاة فأتاها فإذا بمسح (بكسر فسكون، وهو ثوب من شعر غليظ) على بابها، ورأى على الحسن والحسين قلبين (مثنى قلب بضم فسكون : السوار) من فضة فرجع ولم يدخل عليها، فلما رأت ذلك ظنت أنه لم يدخل من أجل ما رأى، فهتكت الستر ونزعت القلبين من الصبيين فقطعتهما فبكيا، فقسمت ذلك بينهما، فانطلقا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهما يبكيان، فأخذ ذلك رسول اللّه منهما، وقال يا ثوبان اذهب بهذا إلى بنى فلان (أهل بيت بالمدينة) واشتر لفاطمة قلادة من عصب (بفتح فسكون خرز أبيض) وسوارين من عاج، فإن هؤلاء أهل بيتي : ولا أحب أن يأكلوا طيباتهم فى حياتهم الدنيا ».
وقد كان السلف الصالح يؤثرون التقشف والزهد فى الدنيا رجاء أن يكون ثوابهم فى الآخرة أكمل، لا أن التمتع بزخارف الدنيا مما يمتنع، بدليل قوله تعالى « قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ ».
نعم إن الاحتراز عن التنعم أولى، لأن النفس إذا اعتادت ذلك وألفته صعب عليها تركه والاكتفاء بما دونه، وللّه درّ البوصيرى إذ يقول :
والنفس كالطفل إن تهمله شبّ على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
والذي يضبط هذا الباب ويحفظ قانونه : أن على المرء أن يأكل ما وجد، طيبا كان أو قفارا (الطعام بلا أدم) ولا يتكلف الطيب ويتخذه عادة، وقد كان النبي صلى اللّه عليه وسلّم يشبع إذا وجد، ويصبر إذا عدم، ويأكل الحلوى إذا قدر عليها