ج ٢٦، ص : ٣١
ثم ذكر مآل أمرهم بعدها فقال :
(فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) أي فجاءتهم الريح فدمرتهم، فصاروا بعد الهلاك لا يرى إلا آثار مساكنهم، إذ قد اجتاحت الأموال، وأذهبت الأنفس، وجعلتها أثرا بعد عين.
روى عن ابن عباس : أن أول ما عرفوا أنه عذاب أليم أنهم رأوا ما كان فى الصحراء من رحالهم ومواشيهم تطير به الريح بين السماء والأرض فدخلوا بيوتهم وغلّقوا أبوابهم، فقلعتها الريح وصرعتهم : وأحال اللّه عليهم الرمال فكانوا تحتها سبع ليال وثمانية أيام، ثم كشفت الريح عنهم الرمال فاحتملتهم فطرحتهم فى البحر.
أخرج مسلم والترمذي والنسائي عن عائشة رضى اللّه عنها قالت :« كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم إذا عصفت الريح قال : اللهم إنى أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به، فإذا أخيلت السماء تغير لونه صلّى اللّه عليه وسلّم وخرج ودخل، وأقبل وأدبر، فإذا مطرت سرّى عنه، فسألته فقال عليه السلام لا أدرى لعلّه كما قال قوم عاد (هذا عارض ممطرنا) ».
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة قالت :« ما رأيت رسول اللّه مستجمعا ضاحكا حتى أرى منه لهواته « ١ » وإنما كان يبتسم، وكان إذا رأى غيما وريحا عرف ذلك فى وجهه، قلت يا رسول اللّه : الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عرف فى وجهك الكراهية، قال : يا عائشة وما يؤمّننى أن يكون فيه عذاب، عذّب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا هذا عارض ممطرنا ».
فى صحيح مسلم عن ابن عباس أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال « نصرت بالصّبا، وأهلكت عاد بالدّبور. « ٢ » »
(١) واحدها لهاة : وهى اللحمة المشرفة على الحلق فى أقصى سقف الفم.
(٢) الصبا : ريح الشمال، والدبور : ريح الجنوب. [.....]