ج ٢٦، ص : ٣٣
ثم بين العلة فى عدم إغناء ذلك عنهم فقال :
(إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ) أي لأنهم كانوا يكذبون رسل اللّه، وينكرون معجزاتهم.
(وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي ونزل بهم ما سخروا به فاستعجلوه من العذاب.
وفى هذا تخويف لأهل مكة حتى يحذروا من عذاب اللّه، ويخافوا عقابه، فإنّ عادا لما اغتروا بدنياهم، وأعرضوا عن قول الحق - نزل بهم العذاب، ولم تغن عنهم قوتهم ولا كثرتهم شيئا - فأهل مكة مع عجزهم وضعفهم أولى.
ولما أخبر بهلاكهم على ما لهم من المكنة العظيمة، ليتعظ بهم من سمع أمرهم، أتبعه بذكر من كان مشاركا لهم فى التكذيب، فأدركه سوء العذاب كما أدركهم فقال :
(وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى ) أي ولقد أهلكنا يا أهل مكة ما حول قريتكم من القرى المكذبة للرسل كعاد، وقد كانوا بالأحقاف بحضرموت، وثمود وكانت منازلهم بينهم وبين الشام، وسبإ باليمن، ومدين، وكانت فى طريقهم فى رحلاتهم صيفا وشتاء، بعد أن أنذرناهم بالمثلات، فلم يغن ذلك عنهم شيئا فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر.
(وَ صَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أي وبيّنا لهم دلائل قدرتنا، وبديع حججنا ليرجعوا عن غيّهم الذي استمسكوا به لمحض التقليد، أو لشبهة عرضت لهم، فحلّ بهم سوء العذاب ولم يجدوا لهم نصيرا ولا دافعا لعذاب اللّه، وهذا ما عناه سبحانه بقوله :
(فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ) أي فهلا نصرهم أوثانهم وآلهتهم التي اتخذوا عبادتهم قربانا يتقربون به إلى ربهم فيما زعموا، حين جاءهم بأسه فأنقذوهم من عذابه إن كانوا يشفعون عنده، لكنهم غابوا عنهم ولم يفيدوهم شيئا.
(٣ - مراغى - السادس والعشرون)