ج ٢٦، ص : ٣٧
وقد وردت أحاديث كثيرة أن الجن بعد هذا وفدت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مرة بعد مرة، وأخذت عنه الشرائع والأحكام الدينية.
ثم فصل ما قالوه لهم فى إنذارهم.
(قالُوا : يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) أي قالوا لهم يا قومنا من الجن : إنا سمعنا كتابا أنزله اللّه من بعد توراة موسى، يصدّق ما قبله من كتب اللّه التي أنزلها على رسله، ويرشد إلى سبيل الحق، وإلى ما فيه للّه رضا، وإلى الطريق الذي لا عوج فيه.
وخصوا التوراة بالذكر لأنه متفق عليه عند أهل الكتابين. وقال عطاء لأنهم كانوا على اليهودية، وهذا يحتاج إلى نقل صحيح.
(يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) أي يا قومنا أجيبوا رسول اللّه محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم إلى ما يدعوكم إليه من طاعة اللّه، وصدقوه فيما جاء به من أمر اللّه ونهيه - يغفر لكم بعض ذنوبكم ويسترها لكم ولا يفضحكم بها فى الآخرة بعقوبته لكم عليها، وينقذكم من عذاب موجع، إذا أنتم تبتم من ذنوبكم وأنبتم إلى ربكم، وأخلصتم له العبادة.
وفى الآية إيماء إلى أن حكم الجن حكم الإنس فى الثواب والعقاب والتعبد بالأوامر والنواهي.
ثم حذروا قومهم وتوعدوهم وأوجبوا إجابتهم داعى اللّه بطريق الترهيب إثر إيجابها بطريق الترغيب فقالوا :
(وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ) أي ومن لا يجب رسول اللّه محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم إلى مادعا إليه من التوحيد والعمل بطاعته، فلا يفوت ربه ولا يسبقه هربا إذا أراد عقوبته على تكذيبه داعيه، ولا يجد له نصراء ينصرونه ويدفعون عنه عذابه.