ج ٢٦، ص : ٤٤
أي وهو الحق الثابت الذي لا مرية فيه، بالهم : أي حالهم فى الدين والدنيا بالتوفيق لصالح الأعمال، وأصل البال : الحال التي يكترث بها، ولذلك يقال ما باليت به : أي ما اكترثت به، ومنه
قوله صلّى اللّه عليه وسلم « كل أمر ذى بال »
الحديث. يضرب اللّه للناس أمثالهم : أي يبين لهم مآل أعمالهم وما يصيرون إليه فى معادهم.
المعنى الجملي
قسم سبحانه الناس فريقين : أهل الكفر الذين صدوا الناس عن سبيل اللّه، وهؤلاء يبطل أعمالهم سواء كانت حسنة كصلة الأرحام وإطعام الطعام، أو سيئة كالكيد لرسول اللّه والصدّ عن سبيل اللّه، فالأولى يبطل ثوابها، والثانية يمحو أثرها، وهكذا كل من قاوم عملا شريفا فإن مآله الخذلان.
وأهل الإيمان باللّه ورسوله الذين أصلحوا أعمالهم، وأولئك يغفر اللّه لهم سيئات أعمالهم ويوفقهم فى الدين والدنيا، كما أضاع أعمال الكافرين ولم يثب عليها.
ثم علل ما سلف بأن أعمال الفريقين جرت على ما سنه اللّه فى الخليقة : بأن الحق منصور، وأن الباطل مخذول سواء كان فى أمور الدين أم فى أمور الدنيا، فالصناعات المحكمة إنما يقبل الناس عليها ويؤثرونها، لأنها جارية على الطريق القويم والنسق الحق، وهكذا الشأن فى المزروعات والمصنوعات المتقنة الجيدة، والسياسات الحكيمة.
والصناعات المرذولة والسلع المزجاة لن يكون حظها إلا الكساد والبوار، لأن الباطل لا ثبات له، والحق هو الثابت، واللّه هو الحق فينصر الحق، والعلم الصحيح والدين الصحيح والصناعات الجيدة والآراء الصادقة نتائجها السعادة، وضدها عاقبته الشقاء والبوار.
وقصارى ذلك - إن اللّه سبحانه خلق السموات والأرض بالحق وعلى قوانين ثابتة منظمة، فكل ما قرب من الحق كان باقيا، وكل ما ابتعد عنه كان هالكا، فرجال الجدّ والنشاط مؤيدون، ورجال الكسل والتواكل مخذولون، والمحققون فى كل شىء محبوبون منصورون.


الصفحة التالية
Icon