ج ٢٦، ص : ٥٥
وبعد أن بين حالى المؤمنين والكافرين فى الدنيا، بيّن حاليهم فى الآخرة فقال :
(إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أي إن اللّه ذا الجلال والكمال يدخل يوم القيامة من آمنوا به وصدقوا رسوله وعملوا صالح الأعمال - بساتين تجرى من تحت قصورها الأنهار كرامة لهم على إيمانهم باللّه ورسوله واليوم الآخر.
(وَ الَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ) أي والذين جحدوا توحيد اللّه وكذبوا رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم يتمتعون فى هذه الدنيا بحطامها ورياشها وزينتها الفانية، ويأكلون فيها غير مفكرين فى عواقبهم ومنتهى أمورهم، ولا معتبرين بما نصب اللّه لخلقه فى الآفاق والأنفس من الحجج المؤدية إلى معرفة توحيده وصدق رسوله، فمثلهم مثل البهائم تأكل فى معالفها ومسارحها، وهى غافلة عما هى بصدده من النحر والذبح، فكذلك هؤلاء يأكلون ويتلذذون وهم ساهون لاهون عن عذاب السعير.
(وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) أي ونار جهنم مسكن ومأوى لهم يصيرون إليها بعد مماتهم والخلاصة - إن المؤمنين عرفوا أن نعيم الدنيا ظل زائل فتركوا الشهوات، وتفرغوا للصالحات، فكانت عاقبتهم النعيم المقيم فى مقام كريم، وإن الكافرين غفلوا عن ذلك فرتعوا فى الدّمن كالبهائم حتى ساقهم الخذلان، إلى مقرهم من درك النيران، أعاذنا اللّه منها.
وبعد أن ضرب لهم المثل بقوله :« أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ » ولم يعتبروا به وذكر لهم.
ما تقدم من الأدلة على وحدانيته - ضرب المثل لنبيّه تسلية له على ما يلاقي من عنت قومه وجحودهم فقال :
(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ) أي وكثير من الأمم التي كان أهلها أشد بأسا وأكثر جمعا، وأعدّ عديدا من