ج ٢٦، ص : ٦٥
لما تقدم، فأعقب هذا بأن اللّه طرد المنافقين وأبعدهم من الخير، ومن قبل هذا أصمهم فلا يسمعون الكلام المستبين، وأعمى أبصارهم فلا يسيرون على الصراط المستقيم، أما المؤمنون فقد رضى عنهم وأرضاهم، ونالوا محبته، ودخلوا جنته، فضلا منه ورحمة، واللّه ذو الفضل العظيم.
الإيضاح
(وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ، فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) أي إن المؤمنين المخلصين فى إيمانهم يشتاقون للوحى، ونزول آيات الجهاد حرصا على ثوابه ويقولون : هلا أنزلت سورة تأمرنا به، فإذا أنزلت سورة واضحة الدلالة فى الأمر به فرحوا بها، وشق ذلك على المنافقين، وشخصت أبصارهم هلعا وجبنا من لقاء العدو ونظروا مغتاظين بتحديد وتحديق كمن يشخص بصره حين الموت.
ونحو الآية قوله « أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ، فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً، وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ ؟ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ ».
ثم هددهم وتوعدهم فقال :
(فَأَوْلى لَهُمْ) أي فالموت أولى لمثل هؤلاء المنافقين، إذ حياتهم ليست فى طاعة اللّه، فالموت خير منها، وقد يكون المعنى على التهديد والوعيد والدعاء عليهم بالهلاك، فكأنه قيل : أهلكهم اللّه هلاكا أقرب لهم من كل شر وهلاك، فهو نحو قولهم فى الدعاء بعدا له وسحقا