ج ٢٦، ص : ٦٩
ثم أردف هذا ذكر ما يصادفونه من الأهوال إذا جاءتهم الملائكة لقبض أرواحهم بسبب اتباعهم أهواءهم وعمل ما يغضب ربّهم، ومن ثم أحبط أعمالهم، وهل يعتقد هؤلاء المنافقون أن اللّه لا يكشف أمرهم لعباده المؤمنين ؟ بل إنه سيوضح ذلك لذوى البصائر، ولو نشاء لأريناك أشخاصهم فعرفتهم عيانا، ولكن لم نفعل ذلك، سترا منا على عبادنا، وحملا للأمور على ظاهر السلامة، وردّا للسرائر إلى عالمها، وإنك لتعرفنّهم فيما يبدو من كلامهم الدالّ على مقاصدهم، بمغامز يضعونها أثناء حديثهم، وقد كان يفهمها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ويفهم مراميها فلا تخفى عليه.
ثم ذكر أنه يبتلى عباده بالجهاد وغيره، ليعلم الصادق فى إيمانه، الصابر على مشاقّ التكاليف، من غيره، ويختبر أعمالهم حسناتهم وسيئاتهم فيجازيهم بما قدموا « فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ».
الإيضاح
(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها ) أي أفلا يتدبر هؤلاء المنافقون مواعظ اللّه التي وعظ بها فى آي كتابه، ويتفكرون فى حججه التي بيّنها فى تنزيله فيعلموا خطأ ما هم عليه مقيمون، أم هم قد أقفل اللّه على قلوبهم فلا يعقلون ما أنزل فى كتابه من العبر والمواعظ ؟
والخلاصة - إنهم بين أمرين كلاهما شر، وكلاهما فيه الدمار، والمصير إلى النار، فإما أنهم يعقلون ولا يتدبرون، أو أنهم سلبوا العقول فهم لا يعون شيئا.
ولما أخبر بإقفال قلوبهم بيّن منشأ ذلك فقال :
(إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ) أي إن الذين رجعوا القهقرى على أعقابهم كفارا من بعد ما تبين لهم الهدى


الصفحة التالية
Icon