ج ٢٦، ص : ٧١
وإغاثة الملهوف إلى نحو أولئك، إذ هم فعلوه وهم مشركون فلم تكن للّه ولا بأمره، بل بأمر الشيطان للفخر وحسن الأحدوثة بين الناس.
ثم بالغ فى توبيخ المنافقين، وإظهار خباياهم، وإعلان نواياهم فقال :
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ) أي بل أحسب أولئك المنافقون الذين فى قلوبهم حقد وعداوة للمؤمنين أن اللّه لا يكشف أستارهم ويبرز أحقادهم، بلى سيبرزها للرسول صلّى اللّه عليه وسلّم وللمؤمنين فلا تبقى مستورة، وقد أنزل اللّه فى فضائحهم وما يبطنون من الأفعال سورة براءة، ولذا تسمى الفاضحة كقوله فيهم :« وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ » وقوله :
« فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا ».
ثم أكد ما فهم من سالف الكلام وأنه سيظهرها فقال :
(وَ لَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ) أي ولو نشاء أيها الرسول لعرّفناك أشخاصهم، فعرفتهم عيانا بعلامات هى غالبة عليهم، ولكنه لم يفعل ذلك فى جميع المنافقين للستر على خلقه، وردّا للسرائر إلى عالمها، وحرصا على ألا يؤذى ذوى قرباهم من المخلصين.
(وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) أي ولتعرفنهم فيما يداورونه من القول، فيعدلون عن التصريح بمقاصدهم إلى التعريض والإشارة، وإياه عنى القائل فى مدح محبوبته فقال :
منطق صائب وتلحن أحيا نا وخير الحديث ما كان لحنا
يريد أنها تتكلم بشىء وتريد غيره وتعرّض فى حديثها فتزيله عن جهته، لفطنتها وذكائها.
وقد كانوا يخاطبون الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم بألفاظ ظاهرها الحسن وهم يعنون بها القبيح. قال الكلبي : فلم يتكلم بعد نزولها عند النبي صلّى اللّه عليه وسلّم منافق


الصفحة التالية
Icon