ج ٢٦، ص : ٩٣
وأشجع والدّيل وأسلم - تخلفوا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لما استنفرهم عام الحديبية حين أراد السير إلى مكة معتمرا، وساق معه الهدى ليعلم أنه لا يريد حربا، واعتلوا بأن أموالهم وأهليهم قد شغلتهم، لكنهم فى حقيقة أمرهم كانوا ضعاف الإيمان خائفين من مقاتلة قريش وثقيف وكنانة والقبائل المجاورة لمكة وهم الأحابيش، وقالوا : كيف نذهب إلى قوم قد غزوه فى عقر داره بالمدينة وقتلوا أصحابه فنقاتلهم ؟ وقالوا : لن يرجع محمد ولا أصحابه من هذا السفر، ففضحهم اللّه فى هذه الآية وأخبر بأنه أعدّ لهؤلاء وأمثالهم نارا موقدة تطّلع على الأفئدة، وأعدّ للمؤمنين جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا، وهو ذو مغفرة لمن أقلع من ذنبه، وأناب إلى ربه.
الإيضاح
(سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا) أي أيها الرسول سيقول لك الذين تخلفوا عن صحبتك والخروج معك فى سفرك حين سرت إلى مكة معتمرا زائرا بيت اللّه الحرام وعاقبتهم على التخلف : شغلنا عن الخروج معك معالجة أموالنا وإصلاح معايشنا وأهلونا، إذ لم يكن لنا من يقوم بتدبير شئونهم وقضاء حاجهم، فاطلب لنا المغفرة من ربك، إذ لم يكن تخلفنا عن عصيان لك، ولا مخالفة لأمرك.
فرد اللّه عليهم وكذبهم بقوله :
(يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) أي إنهم لم يكونوا صادقين فى اعتذارهم بأن الامتناع كان لهذا السبب، لأنهم إنما تخلفوا اعتقادا منهم أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم والمؤمنين يغلبون بدليل قوله بعد :« بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً ».