ج ٢٧، ص : ١٠١
ثم بين أن كل ما يوجد فى هذه الحياة فهو لا يحدث اتفاقا، وإنما يحصل بقضاء اللّه وقدره فقال :
(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) أي إن كل كائن فى هذه الحياة، فهو بتقدير اللّه وتكوينه على مقتضى الحكمة البالغة والنظام الشامل، وبحسب السنن التي وضعها فى الخليقة.
ونحو الآية قوله :« وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً » وقوله :« سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى »
وفى الحديث الصحيح « استعن باللّه ولا تعجز، فإن أصابك أمر فقل : قدر اللّه وما شاء فعل، ولا تقل لو أنى فعلت لكان كذا، فإن (لو) تفتح عمل الشيطان »
وفى حديث ابن عباس أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال له :«... واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشىء لم يكتبه اللّه لك لم ينفعوك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشىء لم يكتبه اللّه عليك لم يضروك، جفت الأقلام، وطويت الصحف ».
وبعد أن بين نفاذ قدره فى خلقه بين نفاذ مشيئته فيهم فقال :
(وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) أي إنا إذا أردنا أمرا قلنا له كن فإذا هو كائن ولا يحتاج إلى تأكيد الأمر بثانية ولا ثالثة، وللّه در القائل :
إذا أراد اللّه أمرا فإنما يقول له (كن) قولة فيكون
وهذا تمثيل لسرعة نفاذ المشيئة فى إيجاد الخلق، فهى كلمح البصر أو هى أقرب.
وجماع القول - ما أمرنا للشىء إذا أردنا إيجاده إلا قولة واحدة (كن) فيكون لا مراجعة فيها ولا ردّ، فهى فى السرعة كلمح البصر لا إبطاء ولا تأخير.
ثم أنبهم على ما هم فيه من غفلة وعماية عن الحق بعد وضوحه فقال :
(وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ؟ ) أي ولقد أهلكنا أشباهكم يا معشر قريش من المكذبين لأنبيائهم من الأمم الخالية، واستأصلنا شأفتهم بحسب سنتنا فى أمثالهم، بشتى العقوبات، ومختلف الوسائل « وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ.


الصفحة التالية
Icon