ج ٢٧، ص : ١١٥
برحمتك نستغيث، أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا إلى أحد من خلقك.
ثم وصف سبحانه نفسه بالاستغناء المطلق، والفضل العام، وأنه ذو الجود والكبرياء، يعطى خلقه من النعم والإكرام ما يليق بحالهم، ولا يحجب فضله عن مخلوق خلقه.
انظر إلى هذه النجوم الثواقب فى ظلمات الليل، ترها مشرقة ساطعة تتلألأ نورا تنشرح له الصدور، وتقرّ به العيون، فتتجلى لك عظمة الخالق وكبرياؤه، تموت الأحياء وتلك النجوم باقية، والأرض لم تتغير على ما نشاهد، وهذا مظهر الجلال والعظمة، جمال فى النجوم، بهجة فى الإشراق، مناظر باهرة، أنوار ساطعة، أجسام عظيمة أحوال تتقلب، وأهوال تتعاقب، والناس من بينها يخرون صعقين، فهذا لعمرك هو الجلال والعظمة، فسبحان الخلاق العظيم.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي فبأى هذه النعم تكذبان ؟ فالفناء باب للبقاء وللحياة الأبدية، والنعم السرمدية، ولو لا تحليل أجسامنا بالموت لتعطلت الحياة، إذ المادة الأرضية إذا بقيت على حال واحدة كانت قواها محدودة، لكن انبعاث الصور الكثيرة وتعاقبها جيلا بعد جيل يلبس المادة جميع الصور والأشكال ويجعل العالم فى تجدد مستمر.
انظر إلى بنى الإنسان مثلا إذا توالدوا جيلا بعد جيل ولم يمت منهم أحد، فلا تمضى إلا أجيال معدودة حتى يكون على القدم ألف قدم، وتمتلئ الأرض بالآدميين، فلا يكفيهم حيوان أرضى ولا نبات مأكول ولا يجدون وسيلة للعيش إلا أن يأكل بعضهم بعضا، وتمتلىء الأرض رمما آدمية من السغب والمخمصة.
والخلاصة - إن فى الفناء نعمتين : نعمة الرحمة بتعاقب الأجيال، ونعمة الخروج من سجن المادة إلى فسيح العالم الروحي وإلى التمتع بنعيم آخر بعد الموت.