ج ٢٧، ص : ١١٨
وأطراف النهار، ثم أرشد إلى أن هذه النعم لا تدوم، بل هى إلى زوال، فكل ما على وجه الأرض سيفنى، وتبدل الأرض غير الأرض والسموات نبههم إلى أنه فى يوم القيامة سيلقى كل عامل جزاء ما عمل، وثواب ما اكتسب، ولا مهرب حينئذ من العقاب، ولا سبيل إلى الامتناع منه، وسيكون جزاء المشركين به العاصين لأوامره، نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كفر بربه وكذب برسله، فاستعدوا لهذا اليوم قبل أن تندموا، ولات ساعة مندم.
الإيضاح
(سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) أي سنقصد لحسابكم ومجازاتكم على أعمالكم، وهذا وعيد شديد وتهديد من اللّه لعباده، كما يقول القائل لمن يهدده : إذا أتفرغ لك :
أي أقصد قصدك.
هذا، وإن شأن الآخرة ما هو إلا شأن من الشئون، فلا يشغله شأن عن شأن وهو القائل :« إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ » والقائل :« وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ».
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي فبأى نعم ربكما تكذبان يا معشر الثقلين، ومن جملتها التنبيه إلى ما ستلقونه من الجزاء فى هذا اليوم، تحذيرا مما سيؤدى إلى سوء الحساب، وشديد العقاب.
ثم ذكر أنه لا مهرب فى هذا اليوم من جزاء كل عامل على عمله فقال :
(يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا) أي إن قدرتم أن تخرجوا من جوانب السموات والأرض هاربين من عقاب اللّه، فارّين من عذابه فافعلوا، والمراد أنكم لا تستطيعون ذلك، فهو محيط بكم لا تقدرون على الخلاص منه، فأينما ذهبتم أحيط بكم.