ج ٢٧، ص : ١٨
وتمور : أي تضطرب وترتجّ وهى فى مكانها، وأصل المور التردد فى الذهاب والمجيء، وقد يطلق على السير مطلقا كما قال الأعشى :
كأن مشيتها من بيت جارتها مور السحابة لا ريث ولا عجل
وأصل الخوض : السير فى الماء ثم استعمل فى الشروع فى كل شىء وغلب فى الخوض فى الباطل، كالإحضار فإنه عام فى كل شىء ثم غلب استعماله فى الإحضار للعذاب، يدعّون : أي يدفعون دفعا عنيفا شديدا بأن تغلّ أيديهم إلى أعناقهم وتجمع نواصيهم إلى أقدامهم ويدفعون إلى النار ويطرحون فيها.
المعنى الجملي
أقسم سبحانه بمخلوقاته العظيمة، الدالة على كمال قدرته، وبديع صنعته، وعدّ منها أماكن ثلاثة : الطور، والبيت المعمور، والبحر المسجور - لأنبياء ثلاثة كانوا ينفردون للخلوة بربهم، والخلاص من الخلق لمناجاة الخالق، فانتقل موسى إلى الطور وخاطب ربه وقال « أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا » وقال « رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ » وانتقل محمد إلى البيت المعمور وناجى ربه وقال « سلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين، لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك »، وكلم يونس ربه فى البحر وقال :
« لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ».
وقرن الكتاب بالطور لأن موسى كان ينزل عليه الكتاب وهو به، وقرن السقف المرفوع بالبيت المعمور ليعلم عظمة شأن محمد صلّى اللّه عليه وسلم، وأقسم بكل هذا على أن العذاب يوم القيامة نازل بأعدائه الذين يخوضون فى الباطل ويتخذون الدين هزوا ولعبا، فيدفعون إلى النار دفعا عنيفا ويقال لهم : هذه هى النار التي كنتم بها تكذبون، ادخلوها وقاسوا شدائدها، وسواء عليكم أ جزعتم أم صبرتم مالكم منها مهرب ولا خلاص.