ج ٢٧، ص : ٣١
الإيضاح
(فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ) أي فذكّر أيها الرسول من أرسلت إليهم من قومك وغيرهم، وعظهم بالآيات والذكر الحكم، ولا تكترث بما يقولون مما لا خير فيه من الأباطيل، وقد انتفت عنك الكهانة والجنون بسبب نعمة اللّه عليك، وهذا كما يقول القائل : ما أنا بمعسر بحمد اللّه وغناه، والمراد بذلك الرد على القائلين بذلك وإبطاله، فإن ما أوتيه من رجاحة العقل، وعلو الهمة وكرم الفعال، وصدق النبوة، لكاف جد الكفاية فى دحض هذا وأشباهه. وممن قال إنه كاهن شيبة بن ربيعة، وممن قال إنه مجنون عقبة بن أبى معيط.
ثم ذكر أنهم ترقّوا فى الإنكار عليه فقال :
(أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) أي بل هم يقولون : هو شاعر نتربص به أحداث الدهر ونكباته من موت أو حادثة متلفة.
روى أن قريشا اجتمعت فى دار الندوة وذهبت مذاهب شتى فى صدّ دعوته صلى اللّه عليه وسلّم ومقابلة هذا الخطر الداهم عليهم، وماذا يفعلون فى الخلاص منه، فقال قائل من بنى عبد الدار : تربصوا به ريب المنون، فإنه شاعر وسيهلك كما هلك زهير والنابغة والأعشى، ثم افترقوا على هذه المقالة فنزلت الآية.
وخلاصة هذا - إنا نبتعد من إيذائه، ونتقى لسانه، مخافة أن يغلبنا بقوة شعره، وإنما سبيلنا معه أن نصبر عليه ونتربص موته كما مات الشعراء من قبله.
فأمره اللّه أن يهددهم ويتهكم بهم بقوله :
(قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ) أي قل لهم : انتظروا وتمهّلوا فى ريب المنون، فإنى متربص معكم منتظر قضاء اللّه فىّ وفيكم، وستعلمون لمن يكون حسن العاقبة، والظفر فى الدنيا والآخرة.
(أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا) أي بل أ تأمرهم أحلامهم بهذا التناقض فى القول،