ج ٢٧، ص : ٦٦
انقطع عمله إلا من ثلاث : ولد صالح يدعوله، وصدقة جارية من بعده، وعلم ينتفع به »
فهى فى الحقيقة من سعيه وكدّه وعمله، كما
جاء فى الحديث :« إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولد الرجل من كسبه »
والصدقة الجارية كالوقف ونحوه على أعمال البرهى من آثار عمله، وقد قال تعالى :« إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ » الآية، والعلم الذي نشره فى الناس فاقتدوا به واتبعوه - هو من سعيه،
فقد ثبت فى الصحيح « من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجر من اتبعه من غير أن ينقص ذلك من أجورهم شيئا ».
ومذهب أحمد بن حنبل وجماعة من العلماء أن ثواب القراءة يصل إلى الموتى إن لم تكن القراءة بأجر، أما إذا كانت به كما يفعله الناس اليوم من إعطاء الأجر للحفاظ للقراءة على المقابر وغيرها - فلا يصل إلى الميت ثوابها، إذ لا ثواب لها حتى يصل إليهم، لحرمة أخذ الأجر على قراءة القرآن وإن لم يحرم على تعليمه.
(٣) (وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى ) أي إن عمله سيعرض يوم القيامة على أهل المحشر ويطلعون عليه، فيكون فى ذلك إشادة بفضل المحسنين، وتوبيخ للمسيئين.
ونحو هذا قوله :« وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ، وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ».
(٤) (ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى ) أي ثم يجزى بعمله أوفى الجزاء وأوفره، فيضاعف اللّه له الحسنة ويبلغها سبعمائة ضعف، ويجازى بالسيئة مثلها أو يعفو عنها كما قال :
« نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ ».
(٥) (وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى ) أي وأن مرجع الأمور يوم الميعاد إلى ربك، فيحاسبهم على النقير والقطمير، ويثيبهم أو يعاقبهم بالجنة أو النار.
وفى هذا تهديد بليغ للمسىء، وحث شديد للمحسن، وتسلية لقلبه صلّى اللّه عليه وسلم، كأنه يقول له : لا تحزن أيها الرسول، فإن المنتهى إلى اللّه.