ج ٢٧، ص : ٨٣
وقصارى ذلك - انتصر لك ولدينك، فإنى قد غلبت وعجزت عن الانتصار لهما.
ثم أخبر سبحانه أنه قد أجاب دعاءه فقال :
(فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ) أي فصببنا عليهم ماء ثجاجا من السماء، وتقول العرب فى المطر الوابل : جرت ميازيب السماء. روى أنهم طلبوا المطر سنين فأهلكهم اللّه بما طلبوا.
وفى الآية إيماء إلى أن اللّه انتصر منهم، وانتقم بماء لا بجند أنزله.
(وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) أي وجعلنا الأرض كلها كأنها عيون متفجرة.
(فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) أي فالتقى الماء أي ماء السماء وماء الأرض على أمر قد قدره اللّه وهو هلاكهم بالطوفان.
والخلاصة - إن اللّه أرسل ماء السحاب مدرارا، وأخرج من الأرض ماء ثجاجا فالتقى الماءان فأحدثا طوفانا على وجه الأرض، فأغرق به قوم نوح، ونجا نوح بركوب سفينته التي بناها كما أشار إلى ذلك فى هود بالتفصيل وأشار إليه هنا بقوله :
(وَ حَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ) أي وأنقذناه من الطوفان، فحملناه على سفينة ذات خشب ومسامير.
وجاء فى سورة العنكبوت « فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ ».
وفى هذا إيماء إلى أنه تعالى يوجد الأسباب لتحقيق ما يريد من المسببات، بحسب السنن التي وضعها فى الخليقة، وأنه يمهل الظالمين، ولا يهملهم كما
جاء فى الحديث « إن ربك لا يهمل ولكن يمهل ».
ثم أشار إلى أنه كان محروسا بعناية اللّه وكلاءته فقال :
(تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) أي تجرى محفوظة بحراستنا، فقد كانت بمرأى منافنحن نكلؤها ونرعاها، كما يرعى المرء ما يراه بعينه، ويقع تحت سمعه وبصره، ويقول القائل إذا وصّى آخر بأمر وشدد عليه : اجعله نصب عينيك أي اهتمّ به، ولا تهمله.