ج ٢٧، ص : ٩٨
(أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ) أي بل هم يقولون نحن واثقون بشوكتنا، فنحن قوم أمرنا مجتمع، لا نرام ولا نضام، وإنا منصورون على من قصدنا بسوء، أو أراد حربنا وتفريق جمعنا.
وجماع القول - إنه تعالى سدّ عليهم المسالك، ونقض جميع المعاذير التي ربما تعللوا بها فى عدم تصديقهم بالرسول، وفى كفرهم بآيات ربهم، فقال لهم : لم لا تخافون أن يحل بكم مثل ما حل بمن قبلكم ؟ أ أنتم أقل كفرا وعنادا منهم، فيكون ذلك سبب الأمن من حلول مثل عذابهم بكم ؟ أم أعطاكم اللّه براءة من عذابه ؟ أم أنتم أعز منهم جندا فأنتم تنتصرون على جند اللّه ؟
ثم رد عليهم مقالهم وأبان لهم أنهم يعيشون فى بحر من الأوهام، وأن قضاء اللّه سيحل بهم، وسيهزمون ويولون الأدبار متى جاء قضاؤه فقال :
(سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) أي سيتفرق شملهم ويغلبون حين يلتقى جيشهم وجيش المؤمنين، وقد صدق اللّه وعده، فانهزموا وولوا الأدبار يوم بدر، وكان هذا دليلا من دلائل النبوة، فإن الآية نزلت بمكة ولم يكن له صلّى اللّه عليه وسلّم يومئذ جيش، بل كان أتباعه مشرّدين فى الآفاق، يلاقون العذاب من المشركين فى كل صوب، حتى
لقد قال عمر رضى اللّه عنه : لما نزلت لم أعلم ما هى ؟ فلما كان يوم بدر رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يلبس الدرع ويقول : سيهزم الجمع فعلمته - ثم استمر انهزامهم بعد.
روى البخاري عن ابن عباس :« أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال وهو فى قبّة له يوم بدر : أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم فى الأرض أبدا فأخذ أبو بكر رضى اللّه عنه بيده وقال : حسبك يا رسول اللّه، ألححت على ربك، فخرج وهو يثب فى الدرع ويقول :« (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ. بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ) ».


الصفحة التالية
Icon