ج ٢٨، ص : ١٠٣
(٢) إن فى مراقبته تعالى الفوز والنجاح فى الدنيا والآخرة، أما فى الدنيا فلأن من راقبه لا يغشّ فى كيل ولا وزن ولا يغيّر سلعة بأخرى، ولا يكذب فى مساومة، ولا يحلف كذبا، ولا يخلف موعدا، ومتى كان كذلك شهر بين الناس بحسن المعاملة وأحبوه وصار له من حسن الأحدوثة ما يضاعف له اللّه به الرزق، وأما فى الآخرة فيفوز برضوان ربه « وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ » وبجنات تجرى من تحتها الأنهار، ونعم أجر العاملين.
وعن عراك بن مالك رضى اللّه عنه أنه كان إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد وقال :« اللهم أجبت دعوتك، وصليت فريضتك، وانتشرت كما أمرتنى، فارزقنى من فضلك وأنت خير الرازقين ».
ثم عاتب سبحانه عباده المؤمنين على ما كان منهم من الانصراف عن الخطبة يوم الجمعة إلى التجارة التي قدمت المدينة يومئذ فقال :
(وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً) أي وإذا رأى المؤمنون عير تجارة أو لهوا أسرعوا وتركوك قائما وأنت تخطب الناس.
أخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي فى جماعة عن جابر بن عبد اللّه قال :« بينما النبي صلى اللّه عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قائما إذ قدمت عير (إبل محملة طعاما من دقيق وبرّ وزيت) فابتدرها أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى لم يبق منهم إلا اثنا عشر رجلا أنا فيهم وأبو بكر وعمر فأنزل اللّه تعالى :« وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً » إلى آخر السورة.
والذي قدم بهذه التجارة دحية الكلبي من الشام، وكان إذا قدم لم تبق عاتق (الشابة حين أدركت) بالمدينة، إلا أتته ثم يضرب بالطبل ليؤذن الناس بقدومه، فيخرجوا ليبتاعوا منه، وكان ذلك طريق الإعلان عن التجارة حينئذ.
ثم رغبهم فى سماع العظات فقال :
(قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ) أي قل لهم مبينا خطأ ما عملوا :


الصفحة التالية
Icon