ج ٢٨، ص : ١٢٩
الشياطين يزينون لكم المعاصي ويصدونكم عن الطاعة ثم أردف هذا ببيان أن الإنسان مفتون بماله وولده، فإنه ربما عصى اللّه تعالى بسببهما، فغصب المال أو غيره لأجلهما، فعليه أن يتقى اللّه ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ولينفق ذو سعة من سعته، فمن جاد بماله ووقى نفسه الشح فهو الفائز بخيرى الدنيا والآخرة، ومن أقرض اللّه قرضا حسنا فاللّه يضاعف له الحسنة بعشرة أضعافها إلى سبعمائة ضعف، وهو عالم بما يغيب عن الإنسان وما يشاهد، وهو العزيز الحكيم فى تدبير شئون عباده.
أخرج الترمذي والحاكم وابن جرير وغيرهم عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية :« يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ » فى قوم من أهل مكة أسلموا وأرادوا أن يأتوا النبي صلى اللّه عليه وسلم فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم، فلما أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فرأوا الناس قد فقهوا فى الدين همّوا أن يعاقبوهم فأنزل اللّه :« وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا » الآية.
وفى رواية عنه أنه قال :
كان الرجل يريد الهجرة فتحبسه امرأته فيقول : أما واللّه لئن جمع اللّه بينى وبينكم فى دار الهجرة لأفعلنّ ولأفعلنّ، فجمع اللّه بينهم فى دار الهجرة فأنزل اللّه الآية.
الإيضاح
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) أي أيها الذين صدّقوا اللّه ورسوله : إن من أزواجكم وأولادكم أعداء لكم يحولون بينكم وبين الطاعات التي تقربكم من ربكم، والأعمال الصالحة التي تنفعكم فى آخرتكم، وربما حملوكم على السعى فى اكتساب الحرام، واكتساب الآثام لمنفعة أنفسهم.
روى أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال :« يأتى زمان على أمتى يكون فيه هلاك للرجل على يد زوجه وولده يعيّرانه بالفقر، فيركب مراكب السوء فيهلك ».
ومن الناس من يحمله حبهم والشفقة عليهم، ليكونوا فى عيش رغد فى حياته