ج ٢٨، ص : ١٥٧
وفى ندائه صلى اللّه عليه وسلم بيا أيها النبي فى مفتتح العتاب حسن تلطف، وتنويه بشأنه عليه الصلاة والسلام، على نحو ما جاء فى قوله :« عفا اللّه عنك لم أذنت لهم ؟ ».
(وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي واللّه غفور لذنوب التائبين من عباده، وقد غفر لك امتناعك عما أحله لك، رحيم بهم أن يعاقبهم على ما تابوا منه من الذنوب.
وإنما عاتبه على الامتناع عن الحلال وهو مباح سواء كان مع اليمين أو بدونه، تعظيما لقدره الشريف، وإجلالا لمنصبه أن يراعى مرضاة أزواجه بما يشق عليه جريا على ما ألف من لطف اللّه به، وإيماء إلى أن ترك الأولى بالنسبة إلى مقامه السامي يعدّ كالذنب وإن لم يكن فى نفسه كذلك.
(قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ) أي قد شرع لكم تحليل أيمانكم بالكفارة عنها، فعليك أن تكفر عن يمينك.
وقد روى « أنه عليه الصلاة والسلام كفر عن يمينه فأعتق رقبة (عبدا أو أمة) ».
(وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ) أي واللّه متولى أموركم بنصركم على أعدائكم، ومسهل لكم سبل الفلاح فى دنياكم وآخرتكم، ومنير لكم طريق الهداية إلى ما فيه سعادتكم فى معاشكم ومعادكم.
(وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) أي وهو العليم بما يصلحكم فيشرعه لكم، الحكيم فى تدبير أموركم، فلا يأمركم ولا ينهاكم إلا وفق ما تقتضيه المصلحة.
ثم ساق ما هو كالدليل على علمه فقال :
(وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً، فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ) أي واذكر حين أسر النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى حفصة أنه كان يشرب عسلا عند زينب بنت جحش، وقال لن أعود له وقد حلفت، لا تخبري بذلك أحدا، فلما أخبرت عائشة بما استكتمها من السر، وأطلعه اللّه على ما دار بين حفصة وعائشة بما كان قد طلب من حفصة أن تكتمه - أخبر حفصة


الصفحة التالية
Icon