ج ٢٨، ص : ١٦٤
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) أي أيها الذين صدقوا اللّه ورسوله : ارجعوا من ذنوبكم إلى طاعة اللّه وإلى ما يرضيه عنكم - رجوعا لا تعودون فيه أبدا، عسى ربكم أن يمحوا سيئات أعمالكم التي سلفت منكم، ويدخلكم بساتين تجرى من تحت أشجارها الأنهار حين لا يخزى اللّه محمدا صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنين به.
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : التوبة النصوح أن يندم العبد على الذنب الذي أصابة، فيعتذر إلى اللّه ثم لا يعود أبدا، كما لا يعود اللبن إلى الضّرع، وهكذا روى عن عمرو بن مسعود وأبى بن كعب والحسن وغيرهم.
وقال الإمام النووي : التوبة النصوح ما استجمعت ثلاثة أمور :
(١) الإقلاع عن المعصية.
(٢) الندم على فعلها.
(٣) العزم الجازم على ألا يعود إلى مثلها أبدا.
فإن كانت المعصية تتعلق بآدمى وجب رد الظلامة إلى صاحبها أو وارثه، أو تحصيل البراءة منه.
والخلاصة - إن المعصية إن كانت فى خالص حق اللّه كفى فيها الندم كما فى الفرار من الزحف وترك الأمر بالمعروف، وإن تعلقت بحقوق العباد لزم مع الندم العزم على إيصال حق العبد أو بدله إليه إن كان الذنب ظلما كما فى الغصب والقتل العمد، والاعتذار إليه إن كان إيذاء كما فى الغيبة إذا بلغته، ولا يلزم تفصيل ما اغتابه به إلا إذا بلغه على وجه أفحش.
وجىء بكلمة (عَسى ) التي تفيد الطمع فى حصول العفو فحسب، مع أن اللّه سبحانه وعد بقبول التوبة - جريا على سنن الملوك فى التخاطب، فإنهم يقولون