ج ٢٨، ص : ٥٤
الصالح الذي ينجيهم من عقابه، فضلوا ضلالا بعيدا، فجازاهم بما هم له أهل، وما هم مستحقون، جزاء وفاقا لما دسّوا به أنفسهم وأوقعوها فى المعاصي والآثام، ومن ثم حكم عليهم بالهلاك فقال :
(أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) أي أولئك هم الذين خرجوا من طاعة اللّه فاستحقوا عقابه يوم القيامة.
ونحو الآية قوله تعالى :« يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ ».
خطب أبو بكر فقال : أما تعلمون أنكم تغدون وتروحون لأجل معلوم ؟ فمن استطاع أن يقضى الأجل وهو فى عمل اللّه عزّ وجل فليفعل، ولن تنالوا ذلك إلا بتوفيق اللّه عز وجل، إن قوما جعلوا آجالهم لغيرهم فنهاكم اللّه عز وجل أن تكونوا أمثالهم فقال :« وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ » أين من تعرفون من إخوانكم ؟ قدموا على ما قدّموا فى أيام سلفهم، وخلوا بالشّقوة والسعادة، أين الجبارون الأولون الذين بنوا المدائن، وحصنوها بالحوائط ؟ قد صاروا تحت الصخر والآبار، هذا كتاب اللّه لا تفنى عجائبه، فاستضيئوا منه ليوم ظلمة، واستضيئوا بسنائه وبيانه. إن اللّه أثنى على زكريا وأهل بيته فقال تعالى :« إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ » لا خير فى قول لا يراد به وجه اللّه، ولا خير فى مال لا ينفق فى سبيل اللّه، ولا خير فيمن يغلب جهله حلمه، ولا خير فيمن يخاف فى اللّه لومة لائم.
ثم وازن بين من يعمل الحسنات، ومن يجترم السيئات فقال :
(لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ) أي لا يستوى الذين نسوا اللّه فاستحقوا الخلود فى النار، والذين اتقوا اللّه فاستحقوا الخلود فى الجنة.