ج ٢٨، ص : ٩٥
ليجعلهم طاهرين من خبائث العقائد والأعمال، ويعلمهم الشرائع والأمور العقلية التي تكمل النفوس وتهذبها، وإلى ذلك أشار البوصيرى بقوله :
كفاك بالعلم فى الأمىّ معجزة فى الجاهلية والتأديب فى اليتم
وتخصيص الأميين بالذكر لا يدل على أنه لم يرسل إلى غيرهم فقد جاء العموم فى آيات أخرى كقوله :« وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ » وقوله :« قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً » وقوله :« لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ».
ومن حكمته تعالى أنه أرسله عربيا مثلهم، ليفهموا ما أرسل به ويعرفوا صفاته وأخلاقه، ليسهل اقتناعهم بدعوته.
وخلاصة ما سلف : أنه ذكر الغرض من بعثة هذا الرسول، وأجملها فى أمور :
(١) أنه يتلو عليهم آيات القرآن التي فيها هدايتهم وإرشادهم لخير الدارين، مع كونه أميا لا يكتب ولا يقرأ، لئلا يكون هناك مطعن فى نبوته، بأن يقولوا إنه نقله من كتب الأولين كما أشار إلى ذلك بقوله :« وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ ».
(٢) أنه يطهرهم من أدناس الشرك وأخلاق الجاهلية، ويجعلهم منيبين إلى اللّه مخبتين إليه فى أعمالهم وأقوالهم، لا يخضعون لسلطة مخلوق غيره، من ملك أو بشر أو حجر.
(٣) أنه يعلمهم الكتاب والحكمة : أي يعلمهم الشرائع والأحكام وحكمتها وأسرارها، فلا يتلقون عنه شيئا إلا وهم يعلمون الغاية منه، والغرض الذي يفعله لأجله، فيقبلون إليه بشوق واطمئنان، وقد تقدم مثل هذا فى سورة آل عمران.
(وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ذاك أن العرب قديما كانوا على دين إبراهيم، فبدلوا وغيروا واستبدلوا بالتوحيد شركا، وباليقين شكا، وابتدعوا أشياء لم يأذن بها اللّه، فكان من الحكمة أن يبعث سبحانه محمدا صلى اللّه عليه وسلم