ج ٢٩، ص : ١٠٤
وفى هذا تهديد عظيم لهم وتوكل على اللّه عز وجل وأنه هو الذي يجزيه بحسن صنيعه ويجزيهم بسوء صنيعهم، وفيه إيماء إلى أنه لا يدع التبليغ لتظاهرهم عليه.
ثم بيّن عجزه عن شئون نفسه بعد عجزه عن شئون غيره فقال :
(قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ، وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً، إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ) أي قل : إنى لن يجيرنى من اللّه أحد من خلقه إن أراد بي سوءا، ولن ينصرنى منه ناصر، ولا أجد من دونه ملجأ ولا معينا، لكن إن بلغت رسالته وأطعته أجارنى.
والخلاصة - إنى لن يجيرنى من اللّه أحد إن لم أبلغ رسالاته.
وبعدئذ بيّن جزاء العاصين للّه ورسوله فقال :
(وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) أي ومن يعص اللّه فيما أمر به، ونهى عنه، ويكذب برسوله فإن له نارا يصلاها ما كثا فيها أبدا إلى غير نهاية، ولا محيد عنها ولا خروج منها.
ثم سلى رسوله وسرّى عنه وعيّرهم بقصور نظرهم عن الجن مع ادعائهم الفطنة، وقلّة إنصافهم ومبادهتهم بالتكذيب والاستهزاء، بدل مبادهة الجن بالتصديق والاستهداء فقال.
(حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً) أي ولا يزالون يستضعفون المؤمنين ويستهزئون بهم، حتى إذا رأوا ما يوعدون من فنون العذاب فيستبين لهم من المستضعفون ؟ المؤمنون الموحدون للّه تعالى، أم المشركون الذين لا ناصر لهم ولا معين ؟.
وقصارى ذلك - إن المشركين لا ناصر لهم، وهم أقلّ عددا من جنود اللّه عزّ وجل.
ونظير الآية قوله :« حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ ».