ج ٢٩، ص : ١٠٦
كثير صلاة ولا صيام، ولكنى أحب اللّه ورسوله، قال صلى اللّه عليه وسلم فأنت مع من أحببت » قال أنس : فما فرح المسلمون بشىء فرحهم بهذا الحديث.
(عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) أي عالم ما غاب عن أبصار خلقه فلم يروه، وهذا لا يعلم به أحد إلا من ارتضى من الرسل صلوات اللّه عليهم، فإنه يطلعهم على ما شاء منه.
ونحو الآية قوله :« وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ ».
وفى الآية إيماء إلى إبطال الكهانة والتنجيم والسحر، لأن أصحابها أبعد الناس عن الارتضاء وأدخلهم فى السخط وإلى أن من ادعى أن النجوم تدله على ما يكون من حياة أو موت أو غير ذلك فقد كفر بالقرآن، وفيها أيضا إبطال للكرامات، لأن من تضاف إليهم وإن كانوا أولياء مرتضين فليسوا رسلا، وقد خص اللّه الرسل من بين المرتضين بالاطلاع على الغيب.
وقال الرازي : المراد أنه لا يطلع على غيبه المخصوص وهو قيام الساعة، والذي يدل على ذلك أمور :
(١) أن أرباب الأديان والملل مطبقون على صحة علم التعبير وتفسير الرؤيا، وأن المعبّر قد يخبر عن الوقائع الآتية فى المستقبل ويكون صادقا فيها.
(٢) أن الكاهنة البغدادية التي نقلها السلطان سنجر بن ملك شاه من بغداد إلى خراسان وسألها عن أحوال آتية، ذكرت أشياء ثم وقعت وفق كلامها.
(٣) أنا نشاهد فى أصحاب الإلهامات الصادقة (وليس ذلك مختصا بالأولياء بل قد يكون فى السحرة) من يكون صادقا فى كثير من أخباره، وكذلك الأحكام النجومية قد تكون مطابقة موافقة لما سيكون فى كثير من الأحيان، وإذا كان ذلك مشاهدا محسوسا، فالقول بأن القرآن يدل على خلافه مما يجر إلى الطعن فى القرآن الكريم، فعلمنا أن التأويل الصحيح ما ذكرنا اه بتصرف.