ج ٢٩، ص : ١١
فطارت منه شعلة فى الأرض وشعلة فى السماء، إذا وصفوه بالإفراط فى الغضب، من قبل أن الغضب إنما يحدث حين غليان دم القلب، والدم حين الغليان يأخذ حجما أكبر من حجمه، فتتمدد الأوعية الدموية فى البدن، وكلما كان الغضب أشد كان تمددها أكثر حتى تكاد تتقطع وينفصل بعضها من بعض.
ثم بين سبحانه عدله فى خلقه وأنه لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة وإرسال الرسول إليه فقال :
(كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ؟ ) أي كلما طرح فى جهنم جماعة من الكفار سألهم مالك وأعوانه من الزبانية سؤال تقريع وتوبيخ : هل أتتكم رسل من ربكم تنذركم شديد بأسه، وعظيم عقابه لمن عصاه وخالف أمره.
ونحو الآية قوله تعالى :« وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ».
حينئذ يجيبهم هؤلاء مع التحسر على ما فات والندم على ما كان.
(قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ) أي بلى جاءنا الرسول وأنذرنا فكذبناه وقلنا له : إن اللّه لم يوح إليك بشىء ولم يبعثك رسولا، وما أنت إلا بشر مثلنا، فما أنت فيما تدّعى إلا مجانف للحق، بعيد عن جادّة الصدق.
ونحو الآية قوله تعالى :« حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا ؟ قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ ».
ثم عادوا على أنفسهم بالملامة، وندموا حيث لا ينفع الندم فقالوا :
(وَقالُوا : لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) أي وقالوا : لو كانت لنا عقول ننتفع بها، أو آذان تسمع ما أنزل اللّه من الحق، ما كنا على ما نحن عليه من الكفر باللّه، والاغترار باللذات التي كنا منهمكين بها فى دنيانا، فبؤنا بسخط ربنا وغضبه، وحلّ بنا عقابه الأليم.