ج ٢٩، ص : ١٣٠
لهم فضل طعام ؟ ثم أتى مجلس قومه مع أبى جهل فقال لهم : تزعمون أن محمدا مجنون فهل رأيتموه يخنق قط ؟ قالوا : اللهم لا، قال : تزعمون أنه كاهن، فهل رأيتموه قط تكهّن ؟ قالوا : اللهم لا، قال : تزعمون أنه شاعر، فهل رأيتموه ينطق بشعر قط ؟
قالوا : اللهم لا، قال : تزعمون أنه كذاب، فهل جربتم عليه شيئا من الكذب ؟
قالوا : اللهم لا (وكان رسول اللّه يسمى الأمين قبل النبوة لصدقه) ثم قالوا :
(فما هو ؟ قال :) ما هو إلا ساحر، أما رأيتموه يفرّق بين الرجل وأهله وولده ومواليه، فهو ساحر وما يقوله سحر يأثره عن مسيلمة وأهل بابل، فارتج النادي فرحا، وتفرقوا معجبين بقوله، متعجبين منه فنزلت هذه الآيات ».
وقد كان الوليد يسمى الوحيد، لأنه وحيد فى قومه، فماله كثير فيه الزرع والصّرع والتجارة، وكان له بين مكة والطائف إبل وخيل ونعم، وعبيد وجوار، وله عشرة أبناء يشهدون المحافل والمجامع، أسلم منهم ثلاثة : خالد وهشام وعمارة، وقد بسط اللّه له الرزق وطال عمره مع الجاه العريض والرياسة فى قومه، وكان يسمى ريحانة قريش.
الإيضاح
(ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) أي خلّ بينى وبين من أخرجته من بطن أمه وحيدا لا مال له ولا ولد، ثم بسطت له الرزق والجاه العريض، فكفر بأنعم اللّه عليه.
وقال مقاتل. خلّ بينى وبينه فأنا أنفرد بهلكته.
وفى هذا وعيد شديد على تمرّده وعظيم عناده واستكباره لما أوتيه من بسطة المال والجاه، وكان يقول : أنا الوحيد بن الوحيد، ليس لى فى العرب نظير، ولا لأبى نظير، وقد تهكم اللّه به وبلقبه، وصرفه عن الغرض الذي كانوا يقصدونه من مدحه والثناء عليه إلى ذمه وعيبه، فجعله وحيدا فى الشر والخبث.