ج ٢٩، ص : ١٤٨
وقصارى ما سلف أنهم أنكروا البعث لوجهين :
(١) شبهة تعترض الخاطر : كقولهم إن أجزاء الجسم إذا تفرقت واختلطت بالتراب، وسارت فى مشارق الأرض ومغاربها، كيف يمكن تمييزها وإعادتها على النحو الذي كانت عليه أوّلا، ولهؤلاء جاء الردّ بقوله :« أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ. بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ ».
(٢) حبّ الاسترسال فى اللذات، والاستكثار من الشهوات، فلا يود أن يقرّ بحشر ولا بعث حتى لا تتنغص عليه لذاته، ولمثل هؤلاء قال :« بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ ».
وقد ذكر سبحانه من علامات يوم القيامة أمورا ثلاثة فقال :
(١) (فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ) أي إذا تحير البصر ودهش فلم يطرف من شدة الهول ومن عظم ما يشاهد، قال الفرّاء : تقول العرب للإنسان المتحير المبهوت : قد برق، وأنشد :
فنفسك فانع ولا تنعنى ودار الكلوم ولا تبرق
أي لا تفزع من كثرة الكلوم والجروح التي أصابتك.
ونحو الآية قوله :« لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ».
(٢) (وَخَسَفَ الْقَمَرُ) أي ذهب ضوءه، كما نعقله من حاله فى الدنيا، إلا أن الخسوف فى الدنيا إلى انجلاء، وفى الآخرة لا يعود ضوءه.
(٣) (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) أي أدرك كل واحد منهما صاحبه وطلعا من المغرب أسودين مكوّرين مظلمين على ما روى عن ابن مسعود، وقد كان هذا مستحيلا فى الدنيا كما جاء فى قوله سبحانه :« لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ ».


الصفحة التالية
Icon