ج ٢٩، ص : ١٥٥
(١) أنه لا بد من الجزاء على صالح الأعمال وسيئها، وثواب كل عامل بما يستحق وإلا تساوى المطيع والعاصي، وذلك لا يليق بالحكيم العادل جل وعلا.
(٢) أنه كما قدر على الخلق الأول وأوجد الإنسان من منىّ يمنى، فأهون عليه أن يعيده خلقا آخر!
الإيضاح
(كَلَّا) ردع وزجر : أي ازدجروا وتنبهوا إلى ما بين أيديكم من الموت، فأقلموا عن إيثار الدنيا على الآخرة، فستنقطع الصلة بينكم وبينها وتنتقلون إلى الدار الآخرة التي ستكونون فيها مخلّدين أبدا.
ثم وصف الحال التي تفارق فيها الروح الجسد فقال :
(إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ) أي إذا بلغت الروح أعالى الصدر، وأشرفت النفس على الموت، قال دريد بن الصّمّة :
وربّ عظيمة دافعت عنها وقد بلغت نفوسهم التراقى
والعرب تحذف من الكلام ما يدل عليه يقولون أرسلت : يريدون أرسلت السماء المطر، ولا تكاد تسمعهم يقولون : أرسلت السماء، قال حاتم يخاطب زوجه :
أماوىّ ما يغنى الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
ونحو الآية قوله :« فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ. وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ ».
(وَقِيلَ مَنْ راقٍ ؟ )
أي وقال أهله : من يرقيه ليشفيه مما نزل به ؟ قال قتادة :
التمسوا له الأطباء فلم يغنوا عنه من قضاء اللّه شيئا، وقال أبو قلابة : ومنه قول الشاعر :
هل للفتى من بنات الموت من واقى أم هل له من حمام الموت من راقى
(وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ) أي وأيقن المحتضر أن ما نزل به نذير الفراق من الدنيا والمال والأهل والولد، وسمى هذا اليقين ظنّا لأن المرء مادامت روحه معلقة ببدنه