ج ٢٩، ص : ١٧٤
الإيضاح
(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا) أي إنا أنزلنا عليك القرآن مفرقا منجما فى مدى ثلاث وعشرين سنة ليكون أسهل لحفظه وتفهّمه ودراسته، ولتكون الأحكام آتية وفق الحوادث التي تجدّ فى الكون، فتكون تثبيتا لايمان المؤمنين، وزيادة فى تقوى المتقين.
وقد يكون المعنى : نزلنا عليك ولم تأت به من عندك كما يدعيه المشركون، ويراد من ذلك تثبيت قلب رسوله صلى اللّه عليه وسلم وشرح صدره، وأن الذي أنزل عليه وحي لا كهانة ولا سحر، وبذا تزول الوحشة من قول الكفار : إنه كهانة أو سحر.
(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) أي فاصبر لما ابتلاك به ربك وامتحنك به من تأخير نصرك على المشركين، ومقاساة الشدائد فى تبليغ رسالته ووحيه الذي أنزله عليك، فإن لذلك عاقبة حميدة، وغاية يثلج لها فؤادك.
(وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) أي ولا تطع كلا من مرتكب الإثم والمتجاوز الحد فى الكفر، فإذا قال لك الآثم كعتبة بن ربيعة : اترك الصلاة وأنا أزوجك ابنتي وأسوقها إليك بلا مهر، أو قال لك الكفور الوليد بن المغيرة : أنا أعطيك من المال حتى ترضى إذا رجعت عن هذا الأمر، فلا تطع واحدا منهما ولا من غيرهما، فقد أعددنا لك النصر فى الدنيا، والجنة فى الآخرة.
وقصارى ذلك - لا تتبع أحدا من الآثمين إذا دعاك إلى الإثم، ولا من الكافرين إذا دعاك إلى الكفر، وهذا ما يفهم من قولك : لا تطع الظالم - من أن المعنى - لا تتبعه فى الظلم إذا دعاك إليه.
ونهيه صلى اللّه عليه وسلم عن طاعة الآثم والكفور وهو لا يطيع واحدا منهما، إشارة إلى أن الناس محتاجون إلى مواصلة الإرشاد، لما ركب فى طباعهم من الشهوة الداعية إلى اجتراح السيئات، وأن أحدا لو استغنى عن توفيق اللّه وإرشاده لكان