ج ٢٩، ص : ١٨٣
ثم ذكر الحكمة فى إلحاقهم بهم فقال :
(كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) أي إن سنتنا فى جميع المجرمين واحدة، فكما أهلكنا المتقدمين لإجرامهم وتكذيبهم - نفعل بالمتأخرين الذين حذوا حذوهم، واستنوا سنتهم، فسنننا تجرى على وتيرة واحدة.
(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) أي هؤلاء وإن عذبوا فى الدنيا بأنواع من العذاب، فالطامة الكبرى معدّة لهم يوم القيامة، والتكرير للتوكيد شائع فى كلام العرب كما تقدم فى سورة الرحمن.
وقال القرطبي : كرر الويل فى هذه السورة عند كل آية لمن كذب بشىء لأنه قسمه بينهم على قدر تكذيبهم، فجعل لكل مكذب بشىء عذابا سوى عذابه بتكذيب شىء آخر اه.
ثم ذكّرهم بجزيل نعمه عليهم فى خلقهم وإيجادهم مما يستدعى جزيل شكرانهم فقال :
(أَ لَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ. فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ. إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ. فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ ؟ ) أي ألا تعترفون بأنكم خلقتم من نطفة مذرة منتنة وضعت فى الأرحام إلى حين الولادة، ونحن قد قدرنا ذلك فنعم المقدرون، إذ خلقناكم فى أحسن الصور والهيئات - أفلا يستحق ذلك الخالق منكم الشكران لا الكفران والاعتراف بوحدانيته وإرساله للرسل والإقرار بالبعث ؟ لكنكم كفرتم أنعمه، ونكلتم عن الاعتراف بوحدانيته، وعبدتم الأصنام والأوثان، وأنكرتم يوم الفصل والجزاء، فسترون فى هذا اليوم عاقبة ما اجترحتم (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) أي خزى وعذاب لمن كذب بهذه المنن العوالي.
وبعد أن ذكّرهم بالنعم التي أنعم بها عليهم فى الأنفس - ذكرهم بما أنعم عليهم فى الآفاق، وأرشد إلى أمور ثلاثة :