ج ٢٩، ص : ٥١
وعاد أهلكت بريح صرصر عانية سلطها عليهم سبع ليال وثمانية أيام متتابعة، فصاروا صرعى كأنهم أصول نخل جوفاء، لم يبق منهم ديّار، ولا نافخ نار وكذلك أهلك فرعون وقومه بالغرق، وقوم لوط بالزلزال الشديد الذي قلب قراهم وجعل عاليها سافلها، وأهلك قوم نوح بالطوفان.
الإيضاح
(الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ ؟ ) هذا أسلوب من الكلام يفيد التفخيم والمبالغة فى الغرض الذي يساق له، فكأنه قيل : أي شىء هى فى حالها وصفتها ؟ فهى لا تحيط بها العبارة، ولا يبلغ حقيقتها الوصف.
ثم زاد سبحانه فى تفظيع شأنها، وتفخيم أمرها، وتهويل حالها فقال :
(وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ ؟ ) أي أىّ شىء أعلمك ما هى ؟ فهى خارجة عن دائرة علوم المخلوقات، لعظم شأنها، ومدى هولها وشدتها، فلا تبلغها دراية أحد ولا وهمه، فكيفما قدرت حالها، فهى فوق ذلك وأعظم.
قال سفيان بن عيينة : كل ما فى القرآن قال فيه : وما أدراك، فإنه صلى اللّه عليه وسلم أخبر به، وكل شىء قال فيه : وما يدريك، فإنه لم يخبر به.
ثم ذكر بعض الأمم التي كذبت بها، وما حاق بها من العذاب فقال :
(كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ) أي كذبت ثمود وعاد بالقيامة التي تقرع الناس بالفزع والهول، والسماء بالانفجار، والأرض والجبال بالنسف، والنجوم بالطمس والانكدار.
ثم فصل ما نزل بكل أمة من العذاب فقال :
(١) (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) أي فأما ثمود فأهلكهم اللّه بصيحة جاوزت الحد فى الشدة كما جاء فى هود « وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ » وهى الصاعقة التي جاءت فى حم السجدة، والرجفة والزلزلة التي جاءت فى سورة الأعراف، فلا تعارض