ج ٢٩، ص : ٧٥
روى : أنه عليه السلام كان يصلى عند الكعبة ويقرأ القرآن، وكان المشركون يجتمعون حوله حلقا حلقا وفرقا فرقا يستمعون ويستهزئون ويقولون : إن دخل هؤلاء الجنة كما يقول محمد فلندخلنّ قبلهم، فنزلت هذه الآيات.
الإيضاح
(فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ. عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ) أي فما بالهم يسرعون إليك، ويجلسون حواليك، عن يمينك وعن شمالك، جماعات متفرقة، نافرين منك، لا يلتفتون إلى ما تلقيه عليهم من رحمة اللّه وهديه، ونصحه وإرشاده، وما فيه سعادتهم فى معاشهم ومعادهم.
ونحو الآية قوله :« فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ؟ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ. فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ».
أخرج مسلم وغيره عن جابر قال : دخل علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المسجد ونحن حلق متفرقون، فقال :« مالى أراكم عزين، ألا تصفّون كما تصفّ الملائكة عند ربها ؟ قالوا : وكيف تصفّ الملائكة عند ربها ؟ قال : يتمون الصفوف الأول ويتراصّون فى الصف »
وقد كانت عادتهم فى الجاهلية أن يجلسوا حلقا مجتمعين.
قال شاعرهم :
ترانا عنده والليل داج على أبوابه حلقا عزينا
ثم أيأسهم من نيلهم للسعادة التي يفوز بها من يستمعون القول فيتبعون أحسنه فقال :
(أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ ؟ كَلَّا) أي أ يطمع هؤلاء وهم نافرون من الرسول صلى اللّه عليه وسلم، معرضون عن سماع الحق - أن يدخلوا جنتى كما يدخلها المؤمنون المخبتون الذين يدعون ربهم خوفا وطمعا ؟ كلا لا مطمع لهم فى ذلك مع ما هم عليه.